اكتشف كيف يواصل كوجيما سحره الإبداعي عبر لعبة |Death Stranding2

في عالم ألعاب الفيديو، هناك من يبتكر العوالم، وهناك من يبني العوالم بالحياة. هيديو كوجيما ينتمي إلى الفئة الثانية دون منازع. في لعبة ميتا جير Death Stranding، وتحديدًا في جزءها الثاني، لا تقتصر المتعة على أسلوب اللعب أو الرسوم السينمائية المذهلة، بل تكمن في تلك التفاصيل الخفية، التي قد تمر أمام أعيننا دون إدراك مدى أهميتها أو عمقها الرمزي.
يأتي هذا المقال كجزء ثانٍ من سلسلة استكشافية لأهم الأسرار المخفية والاقتباسات الذكية في اللعبة، والتي تعكس براعة كوجيما الإخراجية وسرده الذي يتجاوز حدود المنطق التقليدي، ليمزج الحنين، الفلسفة، الرعب، وحتى السخرية السوداء.
تلميحات لعبة Death Stranding … حين يعود الماضي ليحكم الحاضر
من أبرز المشاهد التي شدت انتباه عشاق Metal Gear Solid هو ذلك المشهد المؤلم الذي يشابه “ممر الميكروويف” الشهير في الجزء الرابع من السلسلة. حيث يسير سنيك بصعوبة داخل نفق إشعاعي، تعبيرًا عن التضحية والمعاناة.
في Death Stranding 2، يعيد سام بورتر تكرار نفس التجربة، ولكن بأسلوب أكثر رمزية. في لحظة مواجهة مع هيغز، نرى سام يزحف منهكًا وسط بيئة خانقة، بينما يبدأ هيغز بالغناء بصوت أوبرالي، يحاكي الجو المتوتر في ذلك المشهد الكلاسيكي من MGS4. هذا المشهد ليس مجرد إعادة سرد بصري، بل هو تأكيد على أن ماضينا – كلاعبين ومطورين – يبقى حيًا في الذاكرة الجمعية للألعاب.
هل نمتلك حقًا حرية الاختيار؟

من أذكى لحظات كوجيما في الجزء الثاني، مشهد يتعامل مع خيار زائف يواجه اللاعب مبكرًا في اللعبة. حين تسألك Fragile ما إذا كنت مستعدًا للمهمة الجديدة، وتختار “لن أفعل ذلك”، تقوم اللعبة بإرجاعك إلى نقطة سابقة. تكرار هذا الاختيار يعيدك مجددًا إلى نقطة أبعد، حتى تعود إلى المشهد الافتتاحي وكأنك تدور في حلقة زمنية مغلقة.
هذا الأسلوب يُعد سخرية واضحة من الألعاب التي تدّعي أنها تمنح اللاعبين “حرية اختيار” بينما تدفعهم سرًا نحو نتيجة واحدة. التجربة ليست مجرد تكرار، بل هي درس فلسفي خفي حول الإرادة والقدر في ألعاب الفيديو.
كابوس اليد المقطوعة توتر نفسي على طريقة كوجيما
في مشهد كابوسي شديد الغرابة، يجد سام نفسه على متن سفينة مظلمة، ويتجه نحو فتحة مشؤومة يخرج منها مخلوق غريب وأطراف تشبه الأخطبوط. وبينما يستكشفها بفضول، يُفاجأ بسحب يده بشكل وحشي في لقطة دموية صادمة.
هنا يُبرز كوجيما عنصر الرعب النفسي الذي لا يعتمد على وحوش، بل على الغموض والتوتر النفسي المتصاعد. اليد المبتورة ليست مجرد مشهد مرعب، بل ربما تحمل دلالات رمزية: فقدان السيطرة؟ شعور بالعجز؟ صراع داخلي؟ التفسير متروك لكل لاعب.
الأحلام المزعجة وعودة “العجوز”
في أحد الكوابيس الأخرى، يظهر مشهد غريب حيث تتحرك دمية راقصة داخل ممر مظلم، قبل أن تهجم فجأة على سام بوجه يبدو مألوفًا للغاية… إنه وجه “العجوز” الذي كان سام يساعده في الجزء الأول من اللعبة.
هذا الدمج بين الرمزية والحلم يفتح أبواب التأويلات هل تمثل الدمية الذكريات غير المنتهية؟ أم أن “العجوز” يرمز لحملٍ نفسي لم يتخلص منه سام بعد؟ كوجيما لا يقدم إجابات، بل يطرح الأسئلة بصمت، ويجعلنا نحن نكمل القصة.
نهاية هيغز على تحية دامية لغراي فوكس
من بين أكثر لحظات Death Stranding 2 عنفًا ودرامية، تأتي نهاية هيغز، الخصم الأساسي في اللعبة. ففي لحظة من الغرور والعظمة، تفاجئه ذراع آلية عملاقة وتثبّته بالحائط قبل أن تمزقه إلى نصفين، تمامًا كما حدث مع Gray Fox في Metal Gear Solid 1 عندما ضحى بنفسه لحماية سنيك.
ليست هذه النهاية مجرد عنف بصري، بل مشهد محمّل بالرمزية والتكريم. إنه بمثابة اعتراف من كوجيما بإرثه القديم، وكأنه يقول: “لا تنسوا من أين أتينا”. كل تفصيل بصري في المشهد يذكّرنا بأننا لا نشاهد موت هيغز فقط، بل نشهد ولادة معنى جديد لتضحية قديمة.
نظريات الجماهير و ما وراء الرموز
كما هو متوقع من أي عمل يخص كوجيما، انتشرت على الإنترنت نظريات متعمقة تفسر هذه المشاهد، وربطها بسياقات نفسية أو سياسية أو فلسفية. مثلًا:
- مشهد اليد المقطوعة اعتبره البعض رمزية للتخلي عن الماضي.
- الكوابيس تم تحليلها على أنها أعراض PTSD (اضطراب ما بعد الصدمة).
- مشهد التكرار في الاختيار رُبط بمفهوم “العَوْد الأبدي” للفيلسوف نيتشه.
حتى الموقع الرسمي لـDeath Stranding 2 لم يُنكر هذه القراءات، بل شجّع اللاعبين على مشاركة نظرياتهم، مؤكدًا أن اللعبة مفتوحة على أكثر من تفسير، وهذا ما يعزز من عمق التجربة.
رابط الموقع الرسمي للعبة Death Stranding 2
كوجيما… عندما يتحول المطوّر إلى مؤلف سينمائي
ليس غريبًا على هيديو كوجيما أن يتجاوز الحدود التقليدية لصناعة الألعاب، فهو لا ينظر إلى اللعبة كمنتج ترفيهي فقط، بل كوسيلة تعبير فنية متعددة الطبقات. في Death Stranding 2، نرى ذلك بوضوح في كل زاوية من زوايا العالم، من تفاصيل التصميم البيئي، إلى أداء الشخصيات، إلى بناء السرد الموازي داخل الأحلام والذكريات. طريقة الربط بين المواقف الكابوسية والعناصر الواقعية تمنح اللعبة نكهة نفسية فلسفية قلّما نجدها في أعمال ترفيهية، وتضع كوجيما في مرتبة أقرب إلى المخرجين السينمائيين من مجرد مطور ألعاب.
دعوة مفتوحة لإعادة التجربة بعين جديدة
إذا كنت قد أنهيت لعبة Death Stranding 2 من قبل، فربما حان الوقت لتعيد لعبها بعين أكثر ملاحظة وفضولًا. كثير من هذه التفاصيل التي تحدثنا عنها تمر بسهولة على اللاعب في المرة الأولى، لكنها تصبح أوضح عند إعادة النظر، مما يجعل التجربة قابلة للتكرار دون ملل. هذه القدرة على منح محتوى جديد داخل نفس اللعبة تُعد من أقوى عناصر كوجيما، الذي يصمم ألعابه ليتم فك شيفرتها بالتدريج. ومن يدري؟ ربما تجد في المرة القادمة إشارة لم تكتشفها حتى الآن، تفتح أمامك بابًا لفهم أعمق لقصة سام، وعالم Death Stranding الغامض.
الخلاصه
ما يجعل لعبة Death Stranding تحفة فنية متجددة هو قدرتها على البقاء في ذهن اللاعب حتى بعد انتهاء القصة. كل مشهد، كل حلم، كل حوار جانبي، يحمل شيئًا ما ينتظر أن يُكتشف. والجزء الثاني لم يخيب الظن، بل تجاوز التوقعات بتفاصيله المذهلة وإشاراته الذكية وجرأته السردية.
إن لم تكن قد لاحظت هذه الأسرار من قبل، فقد حان الوقت لإعادة النظر في تجربتك مع اللعبة، وربما إعادة اللعب بعين أكثر وعيًا. فكوجيما لا يقدم مجرد لعبة… بل دعوة مفتوحة للتأمل، والملاحظة، وربما حتى التشكيك في الواقع نفسه.
هل لاحظت أسرارًا أخرى في Death Stranding 2؟ شاركنا في التعليقات، واستعد للجزء الثالث من هذه السلسلة قريبًاومع كل هذه الطبقات السردية والرمزية التي تملأ عالم لعبة Death Stranding، ندرك أننا أمام عمل لا يكتفي بأن يُلعب، بل يُعاش ويُفسر من زوايا متعددة. ما يجعل هذه اللعبة فريدة ليس فقط أسلوبها، بل قدرتها على إثارة النقاش والجدل وفتح أبواب التحليل أمام اللاعبين والنقّاد على حد سواء. فكل تجربة فردية مع اللعبة تحمل في طياتها تفسيرًا خاصًا، ومع كل اكتشاف جديد تتغير نظرتنا للعالم الذي بناه كوجيما. لذا، لا تتردد في الخوض مرة أخرى في هذا الكون الساحر، فقد تكون المرة القادمة أكثر دهشة وتأملًا مما تتوقع.